فصل: تفسير الآيات (1- 15):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (27- 31):

{إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا (27) نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا (28) إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (29) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (30) يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (31)}
الإشارة ب {هؤلاء} إلى كفار قريش، و{العاجلة} الدنيا وحبهم لها، لأنهم لا يعتقدون غيرها، {ويذرون وراءهم} معناه فيما يأتي من الزمن بعد موتهم، وقال لبيد: [الطويل]
أليس ورائي إن تراخت منيتي ** أدب مع الولدان إن خف كالنسر

ووصف اليوم بالثقل على جهة النسب، أي: ذا ثقل من حيث الثقل فيه على الكفار، فهو كليل نائم، ثم عدد النعم على عباده في خلقهم وإيجادهم وإتقان بنيتهم وشدِّ خلقتهم، والأسر: الخلقة واتساع الأعضاء والمفاصل، وقد قال أبو هريرة والحسن والربيع الأسر: المفاصل والأوصال، وقال بعضهم الأسر: القوة: ومنه قل الشاعر: [الوافر]
فأنجاه غداة الموت مني ** شديد الأسر عض على اللجام

وقول آخر [الأخطل]: [الكامل]
من كل محتدب شديد أسره ** سلس القياد تخاله مختالا

قال الطبري ومنه قول العامة: خذه بأسره يريدون خذه كله.
قال القاضي أبو محمد: وأصل هذا في ما له شد ورباط كالعظم ونحوه، وليس هذا مما يختص بالعامة بل هو من فصيح كلام العرب. اللهم إلا أن يريد بالعامة جمهور العرب ومن اللفظة الإسار وهو القيد الذي يشد به الأسير، ثم توعد تعالى بالتبديل واجتمع من القولين تعديد النعمة والوعيد بالتبدل احتجاجاً على منكري البعث، أي من هذا الإيجاد والتبديل إذا شاء في قدرته، فكيف تتعذر عليه الإعادة، وقوله تعالى: {إن هذه تذكرة} يحتمل أن يشير إلى هذه الآية أو إلى السورة بأسرها أو إلى الشريعة بجملتها وقوله تعالى: {فمن شاء اتخذ} ليس على جهة التخيير بل فيه قرينة التحذير، والحض على اتخاذ السبيل، والسبيل هنا: ليس النجاة، وقوله تعالى: {وما تشاؤون إلا أن يشاء الله} نفي لقدرتهم على الاختراع وإيجاد المعاني في نفوسهم، ولا يرد هذا وجود ما لهم من الاكتساب والميل إلى الكفر.
وقرأ عبد الله {وما تشاؤون إلا ما شاء الله} وقرأ يحيى بن وثاب {تِشاؤون} بكسر التاء. وقوله تعالى: {عليماً حكيماً} معناه يعلم ما ينبغي أن ييسر عبده إليه، وفي ذلك حكمة لا يعلمها إلا هو {والظالمين} نصب بإضمار فعل تقديره ويعذب الظالمين أعد لهم، وفي قراءة ابن مسعود {وللظالمين أعد لهم} بتكرير اللام، وقرأ جمهور السبعة {وما تشاؤون} بالتاء على المخاطبة. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو {يشاؤون} بالياء، وقأ ابن الزبير وأبان بن عثمان وبان أبي عبلة {والظالمون} بالرفع، قال أبو الفتح: وذلك على ارتجال جملة مستأنفة. انتهى.
نجز تفسير سورة {الإنسان} بحمد الله وعونه.

.سورة المرسلات:

.تفسير الآيات (1- 15):

{وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا (1) فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا (2) وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا (3) فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا (4) فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا (5) عُذْرًا أَوْ نُذْرًا (6) إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ (7) فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (8) وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ (9) وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ (10) وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (11) لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (12) لِيَوْمِ الْفَصْلِ (13) وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ (14) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (15)}
قال كثير من المفسرين: {المرسلات}، الرسل إلى الناس من الأنبياء كأنه قال: والجماعات المرسلات، وقال أبو صالح ومقاتل وابن مسعود: {المرسلات} الملائكة المرسلة بالوحي، وبالتعاقب على العباد طرفي النهار، وقال ابن مسعود أيضاً وابن عباس ومجاهد وقتادة: {المرسلات}، الرياح، وقال الحسن بن أبي الحسن: {المرسلات} السحاب و{عرفاً} معناه على القول الأول {عرفاً} من الله وإفضالاً على عباده ببعثه الرسل.
ومنه قول الشاعر: [الحطيئة]: [البسيط]
من يفعل الخير لا يعدمْ جوازيَهُ ** لا يذهب العرف بين الله والناس

ويحتمل أني ريد بقوله: {عرفاً} أي متتابعة على التشبيه بتتابع عرف الفرس وأعراف الجبال ونحو ذلك، والعرب تقول: الناس إلى فلان عرف واحد إذا توجهوا إليه، ويحتمل أن يريد بالعرف أي بالحق، والأمر بالمعروف، وهذه الأقوال في عرف تتجه في قول من قال في {المرسلات} إنها الملائكة، ومن قال إن {المرسلات} الرياح اتجه في العرف القول الأول على تخصيص الرياح التي هي نعمة وبها الأرزاق والنجاة في البحر وغير ذلك مما لا فقه فيه، ويكون الصنف الآخر من الرياح في قوله: {فالعاصفات عصفاً} ويحتمل أن يكون بمعنى {والمرسلات} الرياح التي يعرفها الناس ويعهدونها، ثم عقب بذكر الصنف المستنكر الضار وهي {العاصفات}، ويحتمل أن يريد بالعرف مع الرياح التتابع كعرف الفرس ونحوه، وتقول العرب هب عرف من ريح، والقول في العرف مع أن {المرسلات} هي الرياح يطرد على أن {المرسلات} السحاب، وقرأ عيسى {عُرفاً} بضم الراء، و{العاصفات} من الريح الشديدة العاصفة للشجر وغيره، واختلف الناس في قولهم {والناشرات} فقال مقاتل والسدي هي الملائكة تنشر صحف العباد بالأعمال، وقال ابن مسعود والحسن ومجاهد وقتادة هي الرياح تنشر رحمة الله ومطره، وقال بعض المتأولين: {الناشرات} الرمم الناشرات في بعث يوم القيامة يقال نشرت الميت، ومنه قول الأعشى: [السريع]
يا عجباً للميت الناشر

وقال آخرون: {الناشرات} التي يجيء بالأمطار تشبه بالميت ينشر، وقال أبو صالح: {الناشرات} الأمطار التي تحيي الأرض، وقال بعض المتأولين: {الناشرات} طوائف الملائكة التي تباشر إخراج الموتى من قبورهم للبعث فكأنهم يحيونهم، و{الفارقات} قال ابن عباس وابن مسعود وأبو صالح ومجاهد والضحاك: هي الملائكة تفرق بين الحق والباطل والحلال والحرام، وقال قتادة والحسن وابن كيسان: {الفارقات}، آيات القرآن، وأما {الملقيات ذكراً} فهي في قول الجمهور الملائكة. قال مقاتل جبريل وقال آخرون هي الرسل، وقرأ جمهور الناس: {فالملْقيات} بسكون اللام أي تلقيه من عند الله أو بأمره إلى الرسل.
وقرأ ابن عباس فيما ذكر المهدوي، {فالملَقَّيات} بفتح اللام والقاف وشدها، أي تلقيه من قبل الله تعالى، وقرأ ابن عباس أيضاً {فالملَقَّيات} بفتح اللام وشد القاف وكسرها، أي تلقيه هي الرسل، والذكر الكتب المنزلة والشرائع ومضمناتها.
واختلف القراء في قوله تعالى: {عذراً أو نذراً}، فقأ ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر وأبو جعفر وشيبة بسكون الذال في {عذْر} وضمها في {نذُر}، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم وإبراهيم التيمي بسكون الذال فيهما، وقرأ طلحة وعيسى والحسن بخلاف، وزيد بن ثابت وأبو جعفر وأبو حيوة والأعمش عن أبي بكر عن عاصم بضمها فيهما فإسكان الذال على أنهما مصدران يقال عذْر وعذير ونذْير كنكر ونكير، وضم الذال يصح معه المصدر، ويصح أن يكون جمعاً لنذير وعاذر للذين هما اسم فاعل، والمعنى أن الذكر يلقي بإعذار وإنذار أو يلقيه معذورون ومنذرون، وأما النصب في قوله: {عذراً أو نذراً} فيصح إذا كانا مصدرين أن يكون لك على البدل من الذكر، ويصح أن يكون على المفعول للذكر كأنه قال: {فالملقيات} أن يذكر {عذراً} ويصح أن يكون {عذراً} مفعولاً لأجله أي يلقي الذكر من أجل الإعذار، وأما إذا كان {عذراً أو نذراً} جمعاً فالنصب على الحال. وقرأ إبراهيم التيمي {عذراً أو نذراً} بواو بدل {أو} وقوله تعالى: {إن ما توعدون لواقع} هو الذي وقع عليه القسم والإشارة إلى البعث، وطمس النجوم: إزالة ضوئها واستوائها مع سائر جرم السماء، وفرج السماء: هو بانفطارها حتى يحدث فيها فروج، ونسف الجبال: هو بعد التسيير وقيل كونها هباء وهو تفريقها بالريح. وقرأ جمهور القراء: {أقتت} بالهمزة وشد القاف، وقرأ بتخفيف القاف مع الهمزة عيسى وخالد، وقرأ أبو عمرو وحده {وقتت} بالواو، وأبو الأشهب وعيسى وعمرو بن عبيد، قال عيسى هي لغة سفلى مضر، وقرأ أو جعفر بواو واحدة خفيفة القاف وهي قراءة ابن مسعود والحسن، وقرأ الحسن بن أبي الحسن {ووقت} بواوين على وزن فوعلت، والمعنى جعل لها وقت منتظر فجاء وحان. والواو في هذا كله الأصل والهمزة بدل. وقوله تعالى: {لأي يوم أجلت} تعجيب على عظم ذلك اليوم وهوله، ثم فسر تعالى ذلك الذي عجب منه بقوله: {ليوم الفصل} يعني بين الخلق في منازعتهم وحسابهم ومنازلهم من جنة أو نار، وفي هذه الآية انتزع القضاة الآجال في الأحكام ليقع فصل القضاء عند تمامها ثم عظم تعالى يوم الفصل بقوله: {وما أدراك ما يوم الفصل} على نحو قوله تعالى: {وما أدراك ما الحاقة} [الحاقة: 2] وغير ذلك، ثم أثبت الويل {للمكذبين} في ذلك اليوم، والمعنى {للمكذبين} به في الدنيا وبسائر فصول الشرع، والويل: هو الحرب والحزن على نوائب تحدث بالمرء، ويروى عن النعمان بن بشير وعمار بن ياسر أن وادياً في جهنم اسمه ويل.

.تفسير الآيات (16- 28):

{أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (16) ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآَخِرِينَ (17) كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (18) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (19) أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (20) فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (21) إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (22) فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ (23) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (24) أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (25) أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا (26) وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا (27) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (28)}
قرأ جمهور القراء {ثم نتبعُهم} بضم العين على استئناف الخبر، وقرأ أبو عمرو فيما روي عنه {ثم نتبعْهم} بجزم العين عطفاً على {نهلك} وهي قراءة الأعرج وبحسب هاتين القراءتين يجيء التأويل في {الأولين}، فمن قرأ الأولى جعل {الأولين} الأمم التي قدمت قريشاً بأجمعها، ثم أخبر أنه يتبع {الآخرين} من قريش وغيرهم سنن أولئك إذا كفروا وسلكوا سبيلهم. ومن قرأ الثانية جعل {الأولين} قوم نوح وإبراهيم ومن كان معهم، و{الآخرين} قوم فرعون وكل من تأخر وقرب من مدة محمد صلى الله عليه وسلم. وفي حرف عبد الله {وسنتبعهم} ثم قال: {كذلك نفعل بالمجرمين} أي في المستقبل فتدخل هنا قريش وغيرها من الكفار، وأما تكرار {ويل يؤمئذ للمكذبين} في هذه السورة فقيل إن ذلك لمعنى التأكيد فقط، وقيل بل في كل آية منها ما يقتضي التصديق، فجاء الوعد على التكذيب بذلك الذي في الآية، ثم وقف تعالى على أصل الخلقة الذي يقتضي النظر فيها تجويز البعث والماء المهين: معناه الضعيف وهو المني من الرجل والمرأة. والقرار المكين: الرحم أو بطن المرأة، والقدر المعلوم: وقت الولادة ومعلوم عند الله في شخص، فأما عند الآدميين فيختلف فليس بمعلوم قدر شخص بعينه، وقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه ونافع والكسائي {فقدّرنا} بشد الدال، وقرأ الباقون {فقدَرنا} بتخفيف الدال، وهما بمعنى من القدرة، والقدر من التقدير والتوقيف وقوله: {القادرون} يرجع قراءة الجماعة. أما أن ابن مسعود روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فسر القادرين بالمقدرين. وقدر ابن أبي عبلة {فقدّرنا} بشد الدال {فنعم المقتدرون} والكفات: الستر والوعاء الجامع للشيء بإجماع، تقول كفت الرجل شعره إذا جمعه بخرقة، فالأرض تكفت الأحياء على ظهرها، وتكفت الأموات في بطنها و{أحياء} على هذا التأويل مُعمول لقوله: {كفاتاً} لأنه مصدر. وقال بعض المتأولين {أحياء وأمواتاً} إنما هو بمعنى أن الأرض فيها أقطار أحياء وأقطار أموات يراد ما ينبت وما لا ينبت، فنصب {أحياء} على هذا إنما هو على الحال من {الأرض}، والتأويل الأولى أقوى.
وقال بنان خرجنا مع الشعبي إلى جنازة فنظر إلى الجبانة فقال: هذه كفات الموتى، ثم نظر إلى البيوت فقال: هذه كفات الأحساء، وكانت العرب تسمي بقيع الغرقد كفتة لأنها مقبرة تضم الموتى، وفي الحديث «خمروا آنيتكم وأوكئوا أسقيتكم واكفتوا صبيانكم وأجيفوا أبوابكم وأطفئوا مصابيحكم». ودفن ابن مسعود قملة في المسجد ثم قرأ {ألم نجعل الأرض كفاتاً}.
قال القاضي أبو محمد: ولما كان القبر {كفاتاً} كالبيت قطع من سرق منه. والرواسي: الجبال: لأنه رست أي ثبتت، والشامخ: المرتفع، ومنه شمخ بأنفه أي ارتفع واستعلى شبه المعنى بالشخص، وأسقى معناه: جعله سقياً للغلات والمنافع، وسقى معناه للشفة خاصة، هذا قول جماعة من أهل اللغة وقال آخرون هما بمعنى واحد، والفرات: الصافي العذب، ولا يقال للملح فرات وهي لفظة تجمع ماء المطر ومياه الأنهار وخص النهر المشهور بهذا تشريفاً له وهو نهر الكوفة، وسيحان هو نهر بلخ، وجيحان هو دجلة، والنيل نهر مصر، وحكي عن عكرمة أن كل ماء في الأرض فهو من هذه، وفي هذا بعد والله أعلم.

.تفسير الآيات (29- 40):

{انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (29) انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ (30) لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (31) إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (32) كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ (33) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (34) هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (35) وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (37) هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (38) فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (39) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (40)}
الضمير في قوله: {انطلقوا}، هو {للمكذبين} [الإنسان: 19-24] الذين لهم الويل يقال لهم {انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون} من عذاب الآخرة، ولا خلاف في كسر اللام من قوله: {انطلقوا} في هذا الأمر الأول، وقرأ يعقوب في رواية رويس {انطلَقوا إلى ظل} بفتح اللام على معنى الخبر، وقرأ جمهور الناس {انطِلقوا} بسكر اللام على معنى تكرار، الأمر الأول وبيان المنطلق إليه، وقال عطاء الظل الذي له {ثلاث شعب} هو دخان جهنم، وروي أنه يعلو من ثلاثة مواضع يراه الكفار فيظنون أنه مغن فيهرعون إليه {ثلاث شعب} هو دخان جهنم، وروي أنه يعلو من ثلاثة مواضع يراه الكفار فيظنون أنه مغن فيهرعون إليه فيجدونه على أسوأ وصف. وقال ابن عباس: المخاطبة إنما تقال يومئذ لعبدة الصليب إذا اتبع كل واحد ما كان يعبد فيكون المؤمنون في ظل الله ولا ظل إلا ظله، ويقال لعبدة الصليب {انطلقوا إلى ظل} معبودكم وهو الصليب وله {ثلاث شعب}، والتشعب تفرق الجسم الواحد فرقاً ثم نفى عنه تعالى محاسن الظل، والضمير في {إنها} لجهنم وقرأ عيسى بن عمر {بشرار} بألف جمع شرارة وهي لغة تميم، والقصر في قول ابن عباس وجماعة من المفسرين اسم نوع القصور وهو إلا دوراً لكبار مشيدة، وقد شبهت العرب بها النوق ومن المعنى قول الأخطل: [البسيط]
كأنها برج رومي يشيده ** لز بجص وآجر وجيار

وقال ابن عباس أيضاً: القصر: خشب كان في الجاهلية يقطع من جزل الحطب من النخل وغيره على قدر الذراع وفوقه ودونه يستعد به للشتاء يسمى القَصَر واحده قصرة وهو المراد في الآية، وإنما سمي القَصَّار لأنه يخبط بالقصرة، وقال مجاهد: القصر حزم الحطب. وهذه قراءة الجمهور، وقرأ ابن عباس القَصَّار لأنه يخبط بالقصرة، وقال مجاهد: القصر حزم الحطب. وهذه قراءة الجمهور، وقرأ ابن عباس وابن جبير {القَصَر} جمع قصرة وهي أعناق النخل والإبل وكذلك أيضاً هي في الناس، وقال ابن عباس جذور النخل، وقرأ ابن جبير أيضاً والحسن: {كالقِصَر} بسكر القاف وفتح الصاد، وهي جمع قصرة كحلقة وحلق من الحديد، واختلف الناس في الجمالات، فقال جمهور من المفسرين: هو جمع جمال على تصحيح البناء كرجال ورجالات، وقال آخرون أراد ب الصفر السود، وأنشد على ذلك بيت الأعشى: [الخفيف]
تلك خيلي منه، وتلك ركابي ** هن صفر أولادها كالزبيب

وقال جمهور الناس: بل الصفر الفاقعة لأنها أشبه بلون الشرر بالجمالات، وقرأ الحسن {صُفُر} بضم الصاد والفاء، وقال ابن عباس وابن جبير: الجمالات قلوس من السفن وهي حبالها العظام إذا جمعت مستديرة بعضها إلى بعض جاء منها أجرام عظام، وقال ابن عباس: الجمالات قطع النحاس الكبار وكان اشتقاق هذه من اسم الجملة، وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم {جِمالة} بكسر الجيم لحقت التاء جمالاً لتأنيث الجمع فهي كحجر وحجارة، وقرأ ابن عباس وأبو عبد الرحمن والأعمش: {جُمالة} بضم الجمي، وقرأ باقي السبعة والجمهور وعمر بن الخطاب {جمالات} على ما تفسر بكسر الجيم، وقرأ ابن عباس أيضاً وقتادة وابن جبير والحسن وأبو رجاء بخلاف عنهم {جُمالات} بضم الجيم، واختلف عن نافع وأبي جعفر وشيبة وكان ضم الجيم فيهما من الجملة لا من الجمل وكسرها من الجمل لا من الجملة.
ولما ذكر تعالى المكذبين قال مخاطباً لمحمد صلى الله عليه وسلم {هذا يوم لا ينطقون} أي يوم القيامة أسكتتهم الهيبة وذل الكفر، و{هذا} في موطن قاض بأنهم {لا ينطقون} فيه إذ قد نطق القرآن بنطقهم ربنا أخرجنا، ربنا أمتنا، فهي مواطن. و{يوم} مضاف إلى قوله: {لا ينطقون} وقرأ الأعرج والأعمش وأبو حيوة {هذا يومَ} بالنصب لما أضيف إلى غير متمكن بناه فهي فتحة بناء وهو في موضع رفع، ويحتمل أن يكون ظرفاً وتكون الإشارة ب {هذا} إلى رميها {بشرر كالقصر}، وقوله: {فيعتذرون} معطوف على {يؤذن} ولم ينصب في جواب النفي لتشابه رؤوس الآي، والوجهان جائزان، وقوله تعالى: {هذا يوم الفصل جمعناكم} مخاطبة للكفار يومئذ. والأولون المشار إليهم قوم نوح وغيرهم. ممن جاء في صدر الدنيا وعلى وجه الدهر، ثم وقف تعالى عبيده الكفار المستوجبين عقابه بقوله: {فإن كان لكم كيد فكيدون} أي إن كان لكم حيلة أو مكيدة تنجيكم فافعلوها.